المرأة الليبية تطالب بتغيير فعلي في ميدان العمل

“عيد العمال ليس عطلة رسمية في حد ذاتها بقدر ماهو إستذكار متوالي لتاريخ نضال العمال عبر التاريخ. هو أيضا يجب أن يكون يوما لمراجعة الأوضاع العمالية و محاولة إحداث تغيير الهدف منه هو تحسين بيئة العمل”

 بهذه العبارة افتتحت الأستاذة هالة بوقعيقيص العضو المؤسس و مديرة مركز جسور للدراسات و التنمية أول حلقة نقاش يعدها المركز بالتعاون مع منظمة أطوار للأبحاث و التنمية المجتمعية بمناسبة اليوم العالمي لعيد العمال. اجتمع فيها إثني عشر سيدة ليبية من القطاع المصرفي و المؤسسات العامة إلى القطاع الخاص. حلقة النقاش لم تقتصر للمرأة العاملة فقط فقد كان هناك باحثات عن عمل من الخريجات الجدد, و على
الرغم من انقطاع التيار الكهربائي إلا أن النقاش استمر بكل نشاط و فاعلية, تميزت خلالها الأجواء بالعفوية و المصداقية في تبادل وجهات النظر.

IMG_4287كان الهدف من حلقة النقاش تسليط الضوء عن المرأة الليبية في ميدان  العمل. تم رسم معالم ذلك الضوء بثلاث محاور رئيسية للنقاش:

الصورة النمطية للمرأة العاملة-
القيود الثقافية و الإجتماعية-
مدى الاستفادة من الحماية القانونية و الخدمات المقدمة من السلطات المختصة-

الصورة النمطية للمرأة العاملة في ليبيا

 ركز هذا المحور على محاولة فهم الصور النمطية لنظرة المجتمع للمرأة الليبية في حقول العمل, و التعميمات التي تحد من تقدم المرأة في أماكن العمل. النساء الحاضرات اتفقن بالإجماع على أنهن تعرضن لأحكام مسبقة في العمل بسبب تلك الصورة النمطية للمرأة دون النظر إلى قدراتهم الشخصية و الجدير بالملاحظة أن هذه الأحكام صدرت من الرجال و النساء  على حد سواء. و اتفقن على أن أكثر  الصور النمطية المتكررة هي التالية:  IMG_4264

                – الفتاة العزباء تبحث عن فرصة للزواج. 

                – النسوة المتزوجات تولين اهتماما أكبر بالوظائف المنزلية.

                – المرأة عدوة المرأة 

                – النساء يصلحن للعمل الإداري و السكرتارية والأعمال المكتبية.

فيما أثارت الدكتور انتصار عطية “مندوبة طبية في شركة أدوية” نقطة مهمة عن تلك الفكرة النمطية في أن عمل المرأة يعتبر بابا من أبواب الرفاهية, و أنها لا تعتبر ملزمة بمصاريف “البيت” و بالتالي فالاولوية يجب أن تكون للعنصر الرجالي في تولي تلك الوظائف.  ” هذه الصورة تعميم خاطيء فعمل المرأة أصبح ضروري للكثير من العائلات للمساهمة في تحسين أوضاعهم الاقتصادية” قالت انتصار.  

و اتفقت أغلب المشاركات على أن النساء العاملات يناضلن لإثبات أنفسهن و أن قدراتهن لا تؤخذ على محمل الجدية. رغم تفانيهن المثمر في الأعمال المكلفين بها سواء بالمؤهلات العلمية أو بناء على الخبرة المهنية المكتسبة. و هذا ما قد يؤثر سلباً على تقدمهم في المجال الوظيفي.

القيود الثقافية و الاجتماعية

” اضطررت لرفض وظيفة مديرة إدارة خوفاُ على سمعتي من التشويه و التشهير”  هكذا وصفت المهندسة أسماء سليم بمرارة تجنبها للارتقاء في السلم الوظيفي. خصوصا أنها عزباء مما يجعلها عرضة أكثر للأقاويل والاشاعات. أضافت أسماء  ” رغم أني على درجة عالية من الكفاءة إلا أنني أعير اهتماما كبيرا لسمعتي و أحاول تفادي أي شبهات قد تؤثر في مركزي الاجتماعي” و حالة أسماء تجسد مدى قوة و تأثير هذه النظرة الاجتماعية الرافضة لتقبل المرأة في مركز قيادي. هذه النظرة التي تجبر العديد من النساء على تقبل الضغوطات لتفادي أي نقد أو طعن فيهن.

الأستاذة عبير زغبية “مديرة إدارة الخزانة في مصرف الصحاري و عضو مجلس إدارة سابق في مصرف الصحاري” أضافت في ذات السياق ” تعرضت للكثير من المضايقات خلال سنوات عملي في المصرف, كان البعض يحاول عرقلة تحصيلي العلمي و كذلك المهني, و قد أصبت في مرات عديدة بالإحباط و شعرت بالظلم مرارا. إلا أن ذلك لم يوقفني عن الإستمرار في العمل و السعي وراء مراتب وظيفية أعلى. لأنني أرى بأنها مسؤولية و بأننا لابد أن نزرع الثقة في أنفسنا و أن نخوض التجربة لمحاربة الافكار النمطية و الأحكام المسبقة حتى نفتح المجال للنساء من بعدنا رغم كل المصاعب “ بهذه الكلمات نالت الأستاذة عبير تصفيقا حارا من الحاضرات تحية منهن لتلك الروح الإيجابية والتي ترسم معالم مستقبل أكثر صفاءا للمرأة الليبية العاملة.

IMG_4262

وفي تحد آخر يعتبر مفصلا دقيقا في حياة النساء العاملات, تطرقت السيدات المشاركات لحيثية “الواجبات الاجتماعية”, و كيف أنها تشكل تحدياً كبيراً للمرأة بغض النظر عن حالتها الاجتماعية. اتفق على إثره الجميع على أن الواجبات الإجتماعية و العائلية بالمجمل تجعل من تحقيق التوازن بينها وبين العمل عائقا صعب المراس ,بوجود التزامات عائلية و اجتماعية تخلق اختلالا في ميزان حياة المرأة العاملة.

 ويبدو أنه لا يختلف إثنان كما لم تختلف الحاضرات على أنه من حق أي امرأة أن تحقق طموحها و أن يكون لها راتب خاص و استقلالية مادية و تقدير مهني يليق بانجازتها و بغض النظر عن الوضع المادي لعائلتها. شاركتنا إحدى الخريجات الجدد من جامعة طرابلس -كلية هندسة- قسم هندسة النفط بتجربتها في العمل كمتدربة في إحدى المؤسسات الوطنية العاملة في ذات المجال قائلة لقد تركت فرصة وظيفة في مكان يحلم به الكثير و لكني غير آسفة, لم يتم النظر لقدراتي و مؤهلاتي بل تم التعامل معي على أني شابة و يفترض أن يكون هدف حياتي إيجاد زوج و ليس وظيفة” أكد البعض من الحضور بأنهم سمعوا تعليقات مشابهة سواء في العمل أو من المحيط الإجتماعي. و أن الإقبال على الزواج من النساء العاملات مرتبط بشغلهم.  فوظيفة “بسيطة” لا تتطلب التزامات كثيرة أو ساعات دوام طويلة هي المفضلة دائما بالنسبة لشروط الزواج !!!

 مدى الاستفادة من الحماية القانونية

تحت هذا العنوان كان النقاش يتمركز حول ماهية فهم السيدات المشاركات للمزايا الممنوحة لهن قانونياً و مدى الإستفادة فعليا منها. و نظرا لضيق الوقت تم اختصار هذه الجلسة و تأجيلها لحلقة النقاش القادمة و التي ستجعلنا نركز بشكل موسع و نلقي الضوء حول الإشكال القانوني إيجابا وسلبا و بشكل مفصل.

و خلال هذا النقاش تطرقنا للتالي:

  • إجراءات البحث عن عمل: حيث أكدت الحاضرات من الخريجات الجدد عدم درايتهن بوجود آلية لخدمات الباحثين عن العمل تابعة لوزارة العمل. و بأنهن لم يقمن باستخدام هذه الميزة المقدمة من الدولة. و كما أكدت آخريات بأنهن لم يستفدن من هذه الخدمات.  و أن توظيفهن كان بناء على جهود ذاتية أو إعلانات مباشرة من أصحاب العمل. و قد استنتجنا أن من أسباب عدم الاهتمام بهذه الميزة و عدم التساؤل على كيفية التمتع بها بأن البعض لم يعتقدن بجدوة هذا الإجراء و لا يرونه خيار مجدي لمشكلة التوظيف.
  • مرافق السفر: اعتبرت المهندسة عائشة السباعي هذه المشكلة أحد العراقيل الجسيمة أمام تطور النساء في السلم الوظيفي والتطوير التدريبي. و ذلك لعدم وجود نص قانوني واضح يكفل للمرأة العاملة و التي استحقت تدريبا في الخارج “بدل مالي لتغطية نفقات المرافق” مما يؤدي بطبيعة الحال إلى إرهاق الموظفة ماليا بتكاليف السفر. و بالتالي تنازلها عن أغلب التدريبات التي تترشح لنيلها لعدم تمكنها من دفع المستحقات المالية الشخصية المصاحبة لها.  و في هذه النقطة الحساسة تباينت ردود فعل المشاركات بين مؤيد و معارض. فجاءت مداخلة الاستاذة نورية بوقعيقيص “مديرة إدارة المشاريع في مصرف السراي للتجارة و الاستثمار” ردا على طرح فكرة سن لوائح وقوانين لتغطية نفقة المرافق قائلة ” لا يمكن أن نطالب بفرص متساوية في الحقوق و نطالب بعد ذلك بإمتياز لا يتوفر للزملاء من الذكور. فهذا يتنافي مع مبدأ المعاملة بالتساوي الذي نطمح لتفعيله في جميع القوانين”. فيما  رأى البعض الآخر أن مسألة المرافق لا تعتبر مشكلة عند السفر في مهمة عمل رسمية. وأن ترسيخ فكرة أنه ضرورة للحفاظ على نظرة المجتمع قد يعزز الثقافة المناهضة لعمل المرأة في هذه المجالات. و تباعا فهي  تنفي صفة المحافظة علىالأخلاق عند العائلات التي تسمح بذلك. وهذا  ما يجب العمل على تغييره لا تعزيزه بسن مثل هذه القوانين.

خلصت هذه النقطة إلى أنه يجب إعادة فتح هذا النقاش الحساسبعد أن تتم مراجعة القوانين و اللوائح. لضمان سير الحوار بطريقة مبنية على أسس علمية و أكثر تفصيلاً في حلقة النقاش القادمة.

أماكن العمل لا تدعم المرأة: تحت هذه الإشارة لخصت الاستاذة عبير زغبية أن عدم تطبيق ما جاء في نصوص قانون العمل الليبي فيما يخص المرأة هو أحد أهم أسباب التي أدت لعدم منافستها على الأماكن القيادية و ضربت مثلا على ذلك في حيثية توفير أماكن لحضانة الأطفال حسب ما جاء صراحة في نصوص قانون العمل و أنه يعتبر أحد أسباب إحداث عدم توازن بين العمل والحياة الشخصية للمرأة العامل و الذي يؤدي بها لتفضيل العمل الاداري البسيط لتتمكن من التوفيق بين التزاماتها الشخصية و المهنية.

التوصيات

بعض التوصيات التي طالبت بها النساء المشاركات في ختام حلقة النقاش تضمنت المطالبة ببعض التغييرات الجذرية في بعض القوانين و إحداث تغيير ثقافي في المجتمع بصفة عامة و المجالات العملية خاصة. بالإضافة إلى بعض التحسينات في بيئة العمل. لخصت هذه المطالب في النقاط التالية :

  1. إنشاء قنوات للتواصل بين النساء العاملات. تعمل كمنصة لمناقشة المواضيع ذات العلاقة بين تحسين أوضاع المرأة العاملة في كافة المجالات وتقديم الدعم و المساندة لبعضهن (هذا أحد مشاريع مركز جسور التي سيتم الاعلان عنها قريباً).
  2. العمل على المطالبة بتفعيل و تعديل بعض اللوائح و النصوص القوانين. حيث أن أغلب اللوائح و القوانين الليبية لا تميز بين الموظفين. و تعمل على ترسيخ مبدأ الكفاءة ولكن على الرغم من ذلك تعتبر أغلب هذه النصوص غير مفعلة مالم تنظم بلوائح قانونية تنفيذية و غير قابلة للتأويل.
  1. اتفقت المشاركات أن الوقت قد حان للتآزر و توحيد الجهود في الدفاع عن حقوقهن و تعزيز مكانتهن في الكوادر الوظيفية. و ذلك بالبدء في التعاون على تغيير تلك الثقافة السلبية السائدة و الأفكار النمطية و الأحكام المسبقة والتي من شأنها أن تكون عائقا في طريق المرأة لتحقيق طموحاتها .
IMG_4298

رغم انقطاع التيار الكهربائي استمرت أجواء النقاش الحماسية 

وسيتم الاعلان قريباً عن حلقة النقاش القادمة لإستكمال الحوار بالتفصيل في جوانبه القانونية و غيرها من المحاور التي ستحدد لاحقاً.

1 مايو 2016

المراجعة اللغوية: الاستاذ محمد خليل