طريق المرأة الليبية نحو السلام

  Libyans celebrate Revolt anniversary

 

مـقــــدمــة

أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1325 حول المرأة والسلام والأمن  في سنة 2000، و يدعو القرار إلى تعميم منظور النوع الاجتماعي ( الجندر) في فترات الصراع و النزاع و أكد على أهمية دور المرأة في منع وحل النزاعات و مفاوضات السلام ,و كذلك في الاشتراك في عمليات الإغاثة و إعادة البناء و الإعمار, وكما  أكد القرارعلى أهمية  مشاركة المرأة في جهود صناعة و حفظ السلام، و على ضرورة توفير حماية أكبر لها من انتهاك حقوقها الانسانية، و إيجاد آليات و تدابير اللازمة لحمايتها.

و هذا القرار لم يصدر عبثاً فقد أثبتت النساء قدرتها على صنع التغيير بعد الحروب و النزاعات المسلحة و التاريخ زاخر بأمثلة لعبت فيها المرأة دور جوهري في بناء الدول بعد الحروب و الكوارث, و أكبر الأمثلة دور النساء في أوروبا بعد الحرب العالمية و كذلك تعتبر رواندا من النماذج الناجحة التي اثبتت قوة المرأة في صنع السلام و حفظ الاستقرار  بعد الحرف العنيفة بين قبيلتي الهوتو و التوتسي, و تمكنت النساء في أيرلندا الشمالية عبر تشكيل ائتلاف نساء أيرلندا الشمالية بالمساهمة في إنهاء النزاع الذي استمر سنوات طويلة في البلاد.

في بلد مثل ليبيا أنهكته النزاعات و الأزمات المتتالية في الستة سنوات الأخيرة و لا يزال يعني من الانفلات الأمني و عدم الاستقرار و تشكل النساء فيه ما يقارب نصف التعداد السكاني فمن الطبيعي أن تلعب المراة دور أساسي في الحياة الاجتماعية و الاقتصادية وعليه يصبح ادماج المرأة في عملية السلام أمر حتمي و ضروري لتحقيق الاستقرار و الأمن في البلاد.

في هذا المقال ساقوم بشرح أهمية ادماج المرأة الليبية في بناء السلام و مدى وعي المجتمع الليبي بمفهوم السلام من خلال استبيان قمنا به في مواقع التواصل الاجتماعي, و كذلك سيتم باختصارعرض التجربة العراقية في إقرار خطة وطنية لادماج النساء في السلام و الامن و سنقوم بشرح مفهوم التنمية و الدور الذي تلعبه النساء في عملية التنمية و إعادة الإعمار.

 السلام, التنمية و المرأة

لفهم علاقة السلام و التنمية و مدى فاعلية دور المرأة في كليهما يتطلب منا ذلك تعريف هذه المفاهيم و فهم جوهرها لربط العلاقة فيما بينهما.

اولاً السلام:

تعددت تعريفات مصطلح السلام يري البعض أن السلام ” غياب العنف أو الشر وحلول العدالة.” و عرف أيضا بأنه ” عبارة عن محصلة التفاعل ما بين النظام المدني و العدالة الاجتماعية.” و أكثر تعريف شامل هو الذي يعرف  السلام[i]* بالتالي “”السلام” ليس مجرد غياب الحرب (السلام السلبي)، ولكن أيضا وجود الظروف لتحقيق سلام مستدام وعادل و، بما في ذلك الحصول على الغذاء ومياه الشرب النظيفة والتعليم للنساء والأطفال، الأمن من الأذى الجسدي، وغيرها من حقوق الإنسان مصونة (سلام إيجابي). أصل هذه الفكرة في فهم أن “السلام العادل” هو نوع المستدام الوحيد لإحلال السلام. هذا النهج لا يسعى إلا إلى “وقف السلاح” في حين تجاهل وإنكار حقوق الإنسان والأوضاع الاجتماعية والسياسية الظالمة لن ينجح على المدى الطويل.”

في الاستبيان الذي أجريناه على مواقع التواصل الاجتماعي شارك حوالي  150 مشارك من مختلف الأعمار و من الجنسين, و قد تباينت تعريفات المشاركين للسلام فرأت احدى المشاركات بأن السلام ” شعور عام يشمل أفراد المجتمع بكافة فئاته بالأمان و الحماية و القبول و توفر موارد العيش و البيئة المناسبة للعمل و التعلم و الإبداع و التعبير” و قد تكرر الاستقرار في أغلب التعريفات فرأى أحد المشاركين بأن السلام هو  “أمن واستقرار اقتصادي واجتماعي وسياسي وشرطة وعدالة وقانون” و بأنه “الأستقرار بالشكل الذي يمكن معه بناء الفرد والمجتمع والوطن” و كان الرابط المشترك بين كل التعريفات ان السلام هو الاستقرار والأمن و الأمان و تظهر بعض التعريفات عمق شعور المشاركين بغياب السلام و الحاجة إليه و تعكس تطلعات الكثيرين من عملية صنع السلام في البلاد.

http://kroc.nd.edu/about-us/what-peace-studies :(*)

 و في سؤال آخر حاولنا تكوين فهم مدى وعي المشاركين بالتعريفات الفرعية لعمليات السلام و قد كانت إجابة 74% من المشاركين على السؤال المتعلق بمدى معرفتهم بالفرق بين مفهوم صنع و حفظ و بناء السلام بالإيجاب و 17% ب(غير متأكد) مما يدل على الفهم العام و أجاب بالنفي فقط 9% من المشاركين.
و بما أن الاستبيان كان موجه للنشطاء و المهتمين بالشان الليبي فهذا يعتبر مؤشر جيد على مدى وعي المهتمين بالشأن في ليبيا بالاختلافات بين هذه المصطلحات و التي يمكن تعريفها باختصار على النحو التالي:

حفظ السلام يهدف إلى إدارة النزاع-

صنع السلام يهدف إلى حل النزاع –

بناء السلام يهدف إلى إصلاح النزاع-

ثانياً: التنمية

يعتبر تعريف التنمية من التعريفات الصعبة لتشابك عناصره و اختلاط مفاهيمه فمفهوم التنمية يتجه دائماُ للتنمية الاقتصادية أو الاجتماعية, و رغم هذه الاختلافات فإن الهدف العام لأي عملية تنمية هو استقرار و تطور للدولة  وعرفت هيئة الأمم المتحدة عام 1956 على التنمية بأنها “العمليات التى بمقتضاها توجه الجهود لكل من الأهالى والحكومة بتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية لمساعدتها على الاندماج في حياة الأمم والإسهام في تقدمها بأفضل ما يمكن”.

إن العلاقة بين مفهومي السلام و التنمية علاقة تكاملية و ضرورية لاستقرار الدول و التحسين في أدائها على مختلف الأصعدة, و يختلف البعض في ترتيبها أي من يأتي قبل التنمية أم السلام, أم انهما عمليتان تحدثان بالتوازي و لا تخضعان لترتيب معين. و قد شاركنا الرأي العديد ممكن شاركوا في الاستبيان عند طرحنا تساؤل عن علاقة التنمية بالسلام, و قد اتفق أغلبية المشاركين بانه توجد علاقة وطيدة بين المفهومين, فعلق أحد المشاركين بأن ( السلام أساسًا ناتج عن التنمية، فكلما ارتفع معدل التنمية كان الشعب أكثر تحضرًا وقدرة على التعايش وتثبيت الأمن أو الابتعاد عن ارتكاب الجرائم ) و رأى آخر بأن ( العلاقة بينهما طردية فكلما تحققت التنمية كلما تحقق السلام و ترسخ فى المجتمع و ابتعدت اسباب التناحر و الاختلاف) و الجدير بالذكر بأن أكثر من مشارك ربط بين التنمية الاقتصادية تحديداً و عملية السلام فكانت وجهة نظر أحد المشاركين بأن (كلما عم السلام في المجتمع زادت فرص التنمية على جميع الاصعدة خاصة الصعيد الاقتصادي)

ثالثاُ: علاقة المرأة ببناء السلام و التنمية

في أغلب أماكن النزاع تلعب المرأة دور أساسي في عملية إعادة البناء و قد تم التأكيد على هذا الدور في الإعلان الصادر من لجنة بناء السلام بخصوص التمكين الاقتصادي للمرأة بتاريخ 26 سبتمبر 2013  و نص القرار على أهمية دور المرأة في إحلال السلام و قد شدد على أهمية التمكين الاقتصادي في سياسات الانتعاش الاقتصادي  ” نعترف بأن التمكين الاقتصادي للمرأة يسهم إسهاما كبيرا في فعالية الأنشطة الاقتصادية والنمو الاقتصادي في مرحلة ما بعد انتهاء النـزاع، ويؤدي إلى تحسين نوعية تدابير وسياسات الانتعاش الاقتصادي ونتائجها الاجتماعية وإلى تحقيق التنمية المستدامة؛ ونؤكد أهمية مراعاة المنظور الجنساني، حسب الاقتضاء، عند الاضطلاع بالأنشطة الاقتصادية بعد انتهاء النـزاع”  و كذلك أكد القرار على ضرورة تضمين التمكين الاقتصادي في مبادرات و برامج الامم المتحدة للانعاش الاقتصادي بعد انتهاء النزاعات.
و اتفق غالبية المشاركين في الاستبيان على أهمية دور المرأة في عملية بناء السلام, حيث  يتخطى دورها المشاركة في جهود منع النزاعات و توفير الدعم لمساندة مبادارات بناء السلام و المشاركة في الحوارات إلى دور هام و اساسي في عمليات التعمير و تحقيق الانعاش الاقتصادي اثناء و بعد انتهاء الصراع.

 التجربة العراقية

اقر مجلس الوزارء العراقي الخطة الوطنية لقرار مجلس الأمن 1325، ليكون بذلك العراق أول بلد في الشرق الاوسط وشمال افريقيا يتبنى خطة وطنية لتفعيل هذا القرار.  أعدت وزارة الدولة لشؤون المرأة الخطة بهدف اشراك المرأة في عملية صنع السلام واتخاذ القرار اثناء النزاعات المسلحة و بعدها وكذلك أكدت على حمايتها من كل اشكال العنف. وأكّدت الخطة على أنه “من الضروري إدماج المرأة في الجهود التي تبذل من أجل السلام وتوفير الأمن في حالات ما بعد النزاعات المسلحة والأزمات المحلية والدولية، ومشاركتها في هذه الجهود وفي تنفيذها تأكيداً لدورها كفاعل وليس كمجرد ضحية لهذه النزاعات”.
وقد وُضعت الخطة على ثلاث محاور جوهرية و هي المشاركة, الوقاية و الحماية. وفي شق المشاركة، دعت الخطة إلى “إشراك المرأة في مراحل صنع واتخاذ القرارات المتعلقة بمفاوضات وحل النزاعات” و ” تشكيل تحالفات نسائية لرصد الانتهاكات ضد المرأة في المدن التي تعاني من عمليات إرهابية ومواجهات عسكرية” و تضمن محور الحماية ” – تطويراستراتيجيات وسياسات  وخطط عمل وطنية لمناهضة العنف داخل الاسرة عامة وضد المرأة خاصة وترسيخ ثقافة نبذ العنف بكل اشكاله” و ”  العمل على نشر ثقافة السلام  من خلال اقامة برامج تثقيفية للبنات والبنين في المدارس والجامعات ووسائل الاعلام” و كذلك أوردت نقطة مهمة و هي” العمل على دمج مبادئ الحقوق الانسانية وقيم المساواة والعدالة ومقاربة النوع الاجتماعي في السياسات والبرامج والمشاريع.” و قد أكد محور الوقاية على أهمية ” تحسين الظروف المعيشية للمرأة وضمان حقوقها و وصول الخدمات إليها”  و كذلك على ضرورة ” توفير كوادر بشرية مؤهلة للتعامل مع حالات النساء المعنفات على كل المستويات الصحية والاجتماعية والتربوية والقانونية”

و على الرغم من اعتماد الخطة من البرلمان العراقي و توفير الغطاء القانوني و الالزامي لها و تحديد ميزاية خاصة لتطبيق بنودها الا ان الرياح أتت بما لا تشتهي السفن و جاء تطبيق هذه الخطة مخيب للآمال العريضة التي صاحبت هذه المبادرة الرائدة, و في مقال نشره موقع ارفع صوتك حول نساء العراق وتحقيق السلام: خطة ممتازة ولكن “على الورق”؟ رأت الأكاديمية والباحثة النسوية العراقية نهلة النداوي  في تعليق لها على الخطة ” الأنشطة التي وضعتها لتحقيق أهدافها غير متلائمة مع الهدف. فقد جاءت عامة غير محددة بسقف زمني ولم تُحدّد الآليات الضرورية. وعلى سبيل المثال، بينما ركزت الأهداف على أهمية وجود المرأة في مواقع صنع القرار، لم تشر الخطة لا من قريب ولا من بعيد إلى أهمية زيادة مشاركة المرأة في اللجان التفاوضية على المستوى المحلي والدولي وأهمية وجود النساء في اللجان العليا للأحزاب”.

و في عام 2015 تم عقد تحالف جديد بين مجموعة من مؤسسات مجتمع مدني في إقليم كردستان ( تحالف 1325) للضغط على الحكومة لوضع خطة طواريء تمثل احتياجات المرحلة من اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية لبعض المدن العراقية وقد اشتملت خطة الطوارئ على العناصر الرئيسية الثلاثة المتمثلة في الوقاية و الحماية والمشاركة، وركزت على الوفاء بالاحتياجات الخاصة للنساء و الفئات المتضررة من النزاع بين القوات الموالية للحكومة والدولة الاسلامية، مثل الخدمات القانونية و الاجتماعية  النفسية و الصحية و تم تمرير هذه الخطة و العمل عليها.

المضي قدماُ نحو السلام

في أكتوبر 2015 اجتمعت نساء من مناطق ليبية مختلفة بمبادرة من الأمم المتحدة في جنيف لوضع أسس ما سمي بوثيقة المرأة للسلام و ضم الحضور أغلب المناطق و الجهات السياسية المختلفة. و كنتيجة لهذا الاجتماع تم الإعلان عن مسودة لخطة عمل لهذه الوثيقة و على الرغم من انه لم يتم تعميم الوثيقة  في وسائل الاعلام سنحاول اقتراح ما تحتاجه هذه الوثيقة لبلورة خطة طريق لعملية ادماج المرأة في صنع السلام.

محاور بناء السلام من التجربة العراقية نرى ان ادماج المرأة يتعدى كونها أحد الضحايا من هذه النزاعات و لكن كطرف فعال و مؤثر على محيطها. و تقترح محاور أي عملية صناعة سلام يجب ان تتضمن مشاركة المرأة و حمايتها و وقايتها, تختلف الحالة الليبية عن العراقية في مشكلة العناصر المؤهلة من النساء التي تسمح لهم بالاشتراك الفعال في عملية صنع السلام و دفع عجلة التنمية و من هنا نقترح أن يضاف محور التمكين لمحاور بناء المرأة للسلام في ليبيا لتكون على الشكل التالي (التمكين, الحماية, الوقاية ), و بذلك يشتمل محور التمكين بالاضافة لاشراك النساء في صنع القرار و القضاء و الأمن  بند خاص بالتعليم و بناء القدرات و التأهيل للانخراط في عملية بناء السلام و كذلك في عملية التنمية و إعادة البناء.

صنع و بناء السلام. أغلب الخطط و البرامج تركز على المدى القصير و قتصر في تخطيطها على صنع السلام  دون التركيز على ما بعد النزاع. و بناء عليه لضمان فاعلية  أي خطة أو مبادرة يجب أن تكون متضمنة لجدول زمني إلزامي لتنفيذها و أن تكون طويلة المدى بأن تشتمل على عملية الإنعاش و الاعمار بعد انتهاء النزاع و الحفاظ على السلام.

ثقافة السلام, أي حركة حقيقية لصنع السلام لابد من أن توضح معاني هذا المفهوم و ارتباطه بتحقيق الرخاء و لااستقرار و عليه لابد من تأسيس مشروع لترسيخ ثقافة السلام كمشروع متعدد الجوانب مرتبط بالعديد من جوانب التنمية. و بالأخص التركيز على التوعية بأهمية التنمية الاقتصادية و فتح الباب للحوار الاقتصادي و كذلك الاهتمام بتمكين المرأة اقتصادياً على ضوء ما جاء في قرار لجنة السلام لانها من أكثر الاطراف تضررا في الحروب و النزاعات و هي من يعول عليها في عملية اعادة الاعمار و الانعاش.

إشراك المجتمع المدني.  و من التجربة العراقية نرى مدى أهمية دور منظمات المجتمع المدني في تنفيذ الخطة المرتقبة و ذلك كسلطة ضاغطة و مستقلة عن اهواء و مصالح السياسيين, و لابد أن تتعهد هذه المؤسسات ليس فقط بتنفيذ بعض هذه الالتزامات بل بعملية رصد المخالفات و الانتهاكات لعملية صنع السلام و الضغط على صناع القرار لتحقيق بنود هذه الخطة.

أن تحقيق هذا الهدف الانساني يحتاج لتوحيد الجهود و التغاضي عن المصالح و الانتماءات و هذه مسوؤلية كبيرة تستطيع نساء ليبيا تكبدها في سبيل صنع مستقبل آمن و مستقر للأجيال القادمة.

هالة بوقعيقيص مؤسسة و مديرة مركز جسور للدراسات و التنمية, خبيرة قانونية في مجال التجارة و الاستثمار ومرشدة ببرنامج تمكين المرأة التابع لهيئة الأمم المتحدة للمرأة.

لقراءة المقال بالكامل الرجاء زيارة الرابط التالي: libyan-women-on-the-road-to-peace_arabic

للتواصل مع مركز جسور للدراسات و التنمية  

Email: info@jusoor.ly

Twitter: @JusoorLy

Facebook: https://www.facebook.com/jusoorLY